استمرار التدخل الأجنبي يرهن أي مقاربة لإنهاء الأزمة اللّيبية

بــوادر الحـل لم تعـد ممكنــة وسـط الاختلافات حول المنـاصب

جلال بوطي/وكالات

 تكلفة الحرب تجاوزت 783.4 مليار دينار ليبي في عشر سنوات

كلما بدأت معالم انفراج الازمة الليبية تطبع المشهد العام بالتقارب بين الفرقاء في مختلف جولات الحوار الأخيرة التي أشرفت عليها بعثة الامم المتحدة، إلا وتتسع الهوة من جديد، بعد تصاعد الخلافات حول المناصب السيادية. ويحتدم الصراع حاليا حول ملفات تتعلق بانتخاب هيئة رئاسية جديدة للبرلمان والاتفاق على المدينة التي ستحتضن المقر الدائم للمجلس. وهو ما ينذر بخرق اتفاق وقف اطلاق النار الموقّع في جنيف بعد رصد تحركات عسكرية.
باتت الحرب في ليبيا قاب قوسين أو أدنى بالنظر الى التصريحات المتصاعدة من طرفي النزاع، لاسيما بعد تصاعد اتهامات ثنائية بتحرك عسكري في عدة مدن. في الوقت الذي حذرت فيه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز الليبيين من أن الوقت ليس في صالحهم، وأن التقاعس والعرقلة سيكلفان الكثير، مشيرة إلى وجود 10 قواعد عسكرية أجنبية في ليبيا، وأكثر من 20 ألفا من القوات الأجنبية بينهم مرتزقة.
تؤكد وليامز في كل مرة إن وجود هذا الكم من القوات الأجنبية يعد انتهاكا مروّعا للسيادة اللّيبية، وإنهم يتسببون في تدفق السلاح إلى ليبيا وقالت المبعوثة الامريكية الاصل في كلمة للاجتماع الافتراضي الثالث لملتقى الحوار السياسي الليبي، أن أفضل سبيل أمام الليبيين للمضي قدما هو الحوار السياسي.
وتؤكد وليامز في كل مرة إن وجود هذا الكم من القوات الأجنبية يعد انتهاكا مروّعا للسيادة الليبية، وإنهم يتسببون في تدفق السلاح إلى ليبيا وقالت المبعوثة الأمريكية الأصل في كلمة للاجتماع الافتراضي الثالث لملتقى الحوار السياسي الليبي، أن أفضل سبيل أمام الليبيين للمضي قدما هو الحوار السياسي، موضحة أن الأمر لا يتعلق بتقاسم السلطة، بل بتشارك المسؤولية من أجل الأجيال القادمة.
وتشدد المسؤولة الأممية على وجود جهات فاعلة محلية تنخرط في فساد مستشرٍ واستغلال للمناصب لتحقيق منافع شخصية، فضلا عن وجود سوء إدارة في الدولة. وأفادت بتلقي البعثة الأممية تقارير عن عمليات اختطاف واحتجاز تعسفي واغتيالات على أيدي التشكيلات المسلحة في جميع أنحاء البلاد، في الوقت الذي ازداد فيه انعدام المساءلة ومشاكل حقوق الإنسان.
وبدعم من دول عربية وغربية، تنازع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ سنوات الحكومة الليبية المعترف بها دوليا على الشرعية والسلطة، في البلد الغني بالنفط، مما أوقع قتلى بين المدنيين وتسبب بدمار مادي هائل.

تفاهمات واختلافات

منذ الاتفاق التاريخي بوقف اطلاق النار الموقع بين طرفي النزاع في جنيف تبددت المخاوف من اندلاع حرب جديدة، وتوالت جولات الحوار السياسي هنا وهناك. واتفق المجتمعون في ملتقى الحوار الاخير على إجراء تصويت، لاختيار مقترح من بين 12 مقترحا بشأن آلية الترشح واختيار من سيشغلون مناصب رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس الوزراء.‎ لكن مؤشرات الاختلاف لوحت في الافق من جديد.
وتوافق الفرقاء الليبيون في ملتقى الحوار السياسي الذي عقدت أولى جولاته في تونس في 9 من نوفمبر على تحديد موعد لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر2021. وأشارت ستيفاني ويليامز، مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة بوضوح لدور التدخلات الأجنبية في تعقيد الأزمة الليبية، وحذرت من خطر الوجود الأجنبي على استقرار ليبيا.
كما انتقدت ضمنيا اجتماعات ليبية متزامنة في الخارج، وقالت في إشارة لمشاورات شارك فيها عدد كبير من أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة الأعلى في مدينة طنجة شمال المغرب، ان هناك الكثير من السياحة السياسية المتجهة إلى دول وعواصم مختلفة إلا أن عامة الليبيين يعانون في ظل غياب أية مؤشرات على تحسن أوضاعهم.

تدابير لبناء الثقة

واتفق مجلس نواب طبرق في ليبيا على آليات للعمل على حل الجمود السياسي الذي تشهده ليبيا عبر تقوية الثقة بين النواب والعمل على دفع القوات المتناحرة في كافة أنحاء البلاد إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وفي هذأ الشأن التقى عدد من البرلمانيين من مجلس النواب الليبي في مدينة غدامس، غرب ليبيا، لإجراء نقاشات تمهيدية حول سبل التغلب على القصور في الثقة داخل صفوف البرلمانيين ولحل الجمود السياسي الراهن في البلاد.
اتفق الطرفان على تدبيرين لبناء الثقة، يتضمنان العمل سوياً لمعالجة الحاجات الإنسانية الملحة، كعلاج الجرحى عند كافة الأطراف، وكذلك تسهيل استئناف العمل العادي في كافة المطارات الرئيسية في البلاد بمساعدة الأمم المتحدة.
ووفقا لموقع «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» فقد ضم الاجتماع 22 برلمانيا وبرلمانية من مجلس النواب في طبرق بالإضافة إلى البرلمانيين الذين تغيبوا عن جلسات مجلس النواب. واتفق البرلمانيون على عقد جولة ثانية من المباحثات بعد عيد الأضحى لمعالجة كل الخلافات العالقة في إطار عملية سياسية وعلى الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في كافة أنحاء البلاد.
واتفق الطرفان على تدبيرين لبناء الثقة، يتضمنان العمل سوياً لمعالجة الحاجات الإنسانية الملحة، كعلاج الجرحى عند كافة الأطراف، وكذلك تسهيل استئناف العمل العادي في كافة المطارات الرئيسية في البلاد بمساعدة الأمم المتحدة. كما تعهد البرلمانيون بالعمل معا بسرعة لمعالجة الخلافات المتعلقة بعمل مجلس النواب، وشددوا على أن الطريق الوحيد للمضي قدما لمعالجة الأزمة الراهنة هو عبر الحوار السياسي ونبذ استخدام القوة.
وسيتم الاتفاق خلال الأيام القادمة على جدول الأعمال ومكان وتوقيت انعقاد جولات إضافية بعد العيد، والتي سيقوم بتسييرها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون، وفريق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وشددت ويليامز على أن «أفضل سبيل للمضي قدماً هو من خلال هذا الحوار السياسي حيث يعد هذا الحوار ملتقى واسعاً وشاملاً لاتخاذ القرار.

جولة مباحثات مباشرة

تريد بعثة الأمم المتحدة للدعم عقد جولة مباحثات مباشرة يتم فيها تداول الأسماء المرشحة لتشكيل مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية. وتدعو مخرجات مؤتمر برلين وقرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول ليبيا لدمج الحكومتين المتنازعتين في شرق ليبيا وغربها في سلطة جديدة تنبثق من إعادة هيكلة للسلطة التنفيذية في الاتفاق السياسي.
 ويتصدر مهام هذه الحكومة توفير الأمن وإنهاء الانقسام المؤسسي والتشظي الاجتماعي والمناطقي، وتتطلع الأمم المتحدة لتثبيت وقف إطلاق النار واستمرار التهدئة ووقف تدهور الحالة المعيشية والوضع الإنساني وتقديم الخدمات الأساسية والشروع في التحضيرات اللوجيستية والترتيبات الأمنية للاستحقاقات الانتخابية.

التصويت لاختيار المناصب

ومن ضمن المقترحات التي ستعرض في تصويت عن بعد - سيتم في آن عبر الهاتف والبريد الإلكتروني لتوثيقه - «آلية ترشيح أكثر من شخصية عن كل إقليم على أن يتولى أعضاء الملتقى بكامله التصويت عليه» يقول مفاوض طلب عدم الكشف عن اسمه. ومن بين المقترحات أيضا أن يقوم كل مجمع انتخابي باختيار ممثله للمجلس الرئاسي ويتم انتخاب رئيس حكومة الوحدة الوطنية من قبل الجلسة العامة لملتقى الحوار السياسي كدائرة انتخابية واحدة.
وتضمنت المقترحات أن يكون رئيس المجلس الرئاسي من الإقليم الأكثر سكانا من الإقليم الثاني الذي لا ينتمي إليه طبعا رئيس الحكومة. ويدعو مقترح آخر إلى أن يرشح كل مجمع انتخابي اثنين لعضوية المجلس الرئاسي ثم يقوم أعضاء الملتقى كدائرة واحدة باختيار أحدهما، ويتم انتخاب رئيس الحكومة وتحديد رئيس المجلس الرئاسي بنفس طريقة الخيار الأول.
وسيعرض على التصويت أيضا مقترح بترشيح كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة برقة وفزان وطرابلس الغرب ممثله للمجلس الرئاسي ومرشحا لرئاسة الحكومة، ويختار المشاركون في جلسات التفاوض بين المرشحين الثلاثة لرئاسة الحكومة، ويحدد رئيس المجلس الرئاسي بنفس الطريقة السابقة. ويريد بعض المفاوضين أن تقدم لجان الحوار الليبي قوائم من رئيس مجلس رئاسي ونائبين ورئيس حكومة والتصويت عليهم في جلسة عامة مباشرة.

تهديدات الانسحاب من الهدنة

وتتزايد المخاوف بشكل كبير من خرق الهدنة بعد ان هددت وزارة الدفاع الليبية بالانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار في البلاد، جراء «تهور» اللواء خليفة حفتر. وجاء ذلك في تصريح لوزير الدفاع صلاح النمروش، أورده حساب عملية «بركان الغضب» التابعة للجيش الليبي، عبر فيسبوك.
وقال النمروش «نحذّر الأمم المتحدة والدول الداعمة للسلام والحوار في ليبيا إن لم تكبح حفتر وتوقفه فسننسحب من اتفاق 5+5 العسكري». معتبرا اتفاق وقف إطلاق النار كأن لم يكن إن أقدم حفتر على أي عمل عسكري».
وذكر ان ما فعلته ميليشيات حفتر لم يكن الأول في أوباري (جنوب) قد سبقه قبل أسبوع اقتحام أحياء المدينة وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها وغيرها من الأعمال الإجرامية التي تضاف إلى سجل حرب حفتر وجرائمه في طرابلس وترهونة». وأدان المجلس الأعلى للدولة الليبي، في بيان، خرق مليشيا حفتر لاتفاق وقف إطلاق النار، باعتدائه على معسكر تابع للجيش بمدينة أوباري (جنوب). وفي 25 أكتوبر الماضي، قالت المبعوثة الأممية في ليبيا، ستيفاني وليامز، ستكون هناك عقوبات على معرقلي اتفاق وقف إطلاق النار من قِبل مجلس الأمن.

1.41 تريليون دولار تكلفة استمرار الصراع حتى 2025

حذر تقرير للأمم المتحدة من ارتفاع كلفة الصراع الليبي بشكل حاد إذا لم يوقع اتفاق سلام في السنوات المقبلة، مقدرا تلك الكلفة بنحو 628.2 مليار دينار (ما يعادل 465 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي للدينار)، وذلك في الفترة من 2021 إلى 2025.
وأضاف التقرير الذي أصدرته حديثا اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا»، أنه بذلك ستصل التكلفة الإجمالية للصراع في ليبيا إلى تريليون و 411.6 مليار دينار (1046 مليار دولار). وأشار التقرير إلى انكماش الاقتصاد نتيجة لاستمرار الصراع في ليبيا، إذ تراجع الاستثمار وتقلص الاستهلاك، وقال إنه بالمقارنة بين توقعات صندوق النقد الدولي وأداء الاقتصاد الليبي، يتضح أن تقدير الخسارة التي ألحقها الصراع في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 292.2 مليار دينار في الفترة من 2011 إلى 2015 (أي ما يعادل 216 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي للدينار).
وأرجع التقرير زيادة الخسائر الاقتصادية في ليبيا إلى ثلاثة عوامل رئيسية تتمثل في «تدمير الأصول الرأسمالية، وخسارة الإنتاجية، وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية»، لكنه أشار إلى أن تقديرات «الإسكوا» تشير إلى أن معظم هذه الخسائر مرتبطة بالدمار الذي سببه الصراع.
وأوضح التقرير أن الصراع في ليبيا عطل التجارة الخارجية وشل الاقتصاد، ليسجل انخفاض مفاجئ وكبير في صادرات بعض المنتجات الرئيسية، لا سيما المتعلقة بالنفط. لكن أثر الصراع كان أشد على الواردات، ويرجع ذلك في الأساس إلى تقلص قطاعي التشييد والبناء وانخفاض نفقات العمال المغتربين والمواطنين على السواء وفق التقرير.
وأضاف أن تدفق العمال الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية، وانخفاض دخل المواطنين الليبيين، كانا السببين الرئيسيين في انخفاض الاستهلاك النهائي. كما أوضح أن الانخفاض غير المسبوق في الاستثمار العام أدى إلى تكثيف الطلب المحلي على المنتجات المستوردة، مشيرا إلى أن الصراع دمر عدة قطاعات أخرى في الاقتصاد الليبي، ولا سيما القطاع النفطي وقطاعات البناء والزراعة والتصنيع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024